قال تعالى: { يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ }
[الطارق:9]
انتبه يا أخي! لهذه الجملة! نسأل الله أن يقوينا وإياكم على إخلاصها.
{ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ }
يوم القيامة تختبر السرائر لا الظواهر،
والسرائر: القلب،
كما قال تعالى:
{ أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ }
[العاديات:9-10]
يوم القيامة لا يحاسب الإنسان على أعماله الظاهرة فقط، وإلا لنجح المنافقون؛
لأن المنافقين يأتون بالأعمال الصالحة التي ظاهرها الصحة، لكن على قلوبٍ خربة،
إذا كان يوم القيامة خانتهم قلوبهم،
تبلى السرائر
فلا يوجد عن أحدٍ منجى إلا من كانت سريرته طيبة،
نسأل الله أن يطيب سريرتنا.
{ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ }
[الطارق:9]
تختبر، الحساب في الدنيا على الظواهر،
وفي الآخرة على السرائر،
وانظر إلى المنافقين في عهد الرسول يعلنون الإسلام؛ يأتون للصلاة، يتصدقون،
ويقولون للرسول :
{ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ }
[المنافقون:1]
ويذكرون الله لكن قليلاً:
{ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً }
[النساء:142]
والرسول يعلم بعضهم:
{ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ }
[محمد:30]
يعلم ذلك، وحتى أنه أسر إلى حذيفة بن اليمان بأسماء رجال عيَّنهم، ومع ذلك لم يقتلهم،
لماذا؟
حتى لا يقال: إن محمداً يقتل أصحابه.
فإذا قال قائل: هؤلاء ليسوا أصحاباً له؛ لأنهم أعداء له
كما قال تعالى:
{ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ }
[المنافقون:4]
فنقول هم أصحابه ظاهراً،
والحكم في الدنيا على الظاهر، لكن في الآخرة على البواطن،
ولهذا أصلح سريرتك يا أخي!
ولهذا أحث نفسي وإياكم يا إخواني!
على إصلاح الباطن،
وعلى تفقد القلب،
كلنا يتوضأ ويطهر ظاهره،
كلنا يغتسل من الجنابة، ويطهر جسمه كله،
لكن القلب، هل منا من يغسله كل يوم؟
قلَّ من يغسله،
إن أجل العبادات الصلاة كثيرٌ من الناس لا يفعلها إلا على وجه العادة،
يصبح يتوضأ ويذهب يصلي الفجر،
لكن لا يحس بأن هذه الصلاة دخلت قلبه حتى كان في صلاته متصلاً بربه.
عروة بن الزبير أصيب بأحد أعضائه بالجذام؛ والجذام مرض إذا أصاب عضواً انتشر في البدن ومات المصاب،
فقيل له: إنه لا يمكن أن تنجو منه حتى نقطع رجلك، ولن تطيق ذلك حتى تشرب شيئاً من الخمر.
فقال: لا أقدر،
فقالوا: كيف نعمل؟
قال: دعوني أصلي، فلما شرع في الصلاة قطعوا رجله؛
لأنه إذا دخل في الصلاة واتصل قلبه بالله عز وجل لم يشعر بما حوله، لأن الاتصال بالله ينسي كل شيء.
الكتاب : دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416هـ
المؤلف : محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى : 1421هـ)