إن من أهم المبادئ التي دعت إليها الرسالات السماوية عامة ، ورسالة الإسلام خاصة ، هي الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة ، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال : (( إنما بُعثت لأتممَ صالح الأخلاق )) السلسلة الصحيحة . فإن حسن خلق المؤمن دليل كمال إيمانه ، وهو طريق السائرين إلى دار الفالحين ..! ومن هذه الأخلاق خُلق العفو والصفح والتسامح ومغفرة الزلات ..
العفو والصفح هما من أخلاق الإسلام العظيمة التي دعا وحثّ عليها ، يقول الله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم : {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [ الأعراف : 199 ] فالخير كل الخير في ألا نقابل إساءة الناس لنا بإساءتنا لهم ، وألا نعامل بالمثل مَن هجرنا وقطع رحمه ومودته عنّا بل الأولى أن نصلهم ، ونرفق بهم ، ونراعي أحوالهم ونعفو ونصفح عن زلاتهم وأخطائهم ، فإنّ أفضل الأخلاق أن تصل مَن قطعك ، وتعفو عمّن ظلمك ، وتعطي مَن حرمك .
العفو : ترك معاقبة مَن يستحق العقاب مع القدرة عليه
الصفح : الإعراض عن ذنب المذنب وعدم مؤاخذته به
1/ الصبر ومجاهدة النفس : فإنما الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم ومَن يصبر يصبِّره الله .
2/ التغاضي والتغافل : وهذا من أخلاق الفضلاء ، وهو مما يعين على بقاء المودة ، ووأد العداوة .
3/ الترفع عن الجدال والسباب : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً وذلك من شرف النفس ، وعلو الهمة ، وهو يبعد المرء عن مواطن ثورة الغضب ، وينأى به عن مواضع اللجاج ، فيحافظ بذلك على صفاء قلبه ؛ لأن السباب مما يذكي العداوة ويورث الشقاق ، ويدعو إلى التشفي بالآخرين فيكبر في النفس الانتقام ، ويـبــعـد عن السماحة والحلم والعفو ، قال الشاعر :
قالوا سكتَ وقد خُوصمت قلتُ لهم ::~:: إنّ الجوابَ لُبِابِ الشرِّ مفتاحُ
4/ تجنب الغضب : فالغضب جمرة تتقد في القلب ، حيث كانت وصيته صلى الله عليه وسلم لرجلٍ طلب الوصية فقال له : (( لا تغضب )) وكررها ثلاثاً . ومما يعين على تسكيت الغضب ذكر الله تعالى ، وتذكر ثواب العفو وعواقب الغضب وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب !
5/ وضع المرء نفسه موضع خصمه : أي التماس الأعذار .
6/ التفكر في الآثار المترتبة على العـفــو والـصــفـح .
* مغفرة الله ، يقول صلى الله عليه وسلم (( ارحموا تُرحموا ، واغفروا يغفرِ الله لكم )) السلسلة الصحيحة .
* محبة الله والفوز بجنته ، يقول تعالى : { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ } [ آل عمران : 22 ] . ولقوله صلى الله عليه وسلم : (( ما من جرعة أعظم أجراً عند الله من جرعة غيظٍ كظمها عبدٌ ابتغاء وجهِ الله )) رواه ابن ماجه .
* دحر الشيطان والانتصار عليه ، والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين .
* يقضي على الحسد والحقد ، وكل ما قد يتسبب بين الناس من غل .
* نيل فضل يومي الخميس والاثنين ، لقوله صلى الله عليه وسلم (( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيُغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيُقال : انظروا هذين حتى يصطلحا ، انظروا هذين حتى يصطلحا )) رواه مسلم.
* محبة الناس ، فالمرء المتسامح محبوب من الجميع .. يقول الشاعر :
لـمـّا عفوتُ ولـم أحقد على أحدٍ ::~:: أرحتُ نفسي من همِّ العداواتِ
* نبي الله يوسف عليه وسلم يعطي مثلاً رائعاً في قصته مع إخوته ، بعد أن فعلوا به ما فعلوا ، فقد ألقوه في البئر ليتخلصوا منه ، فعانى من جراء ذلك ما عانى من ذل العبودية والسجن ، ومع ذلك قابلهم بعفوٍ منه وصفح .
* سيد العافين وإمام المرسلين ، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وعفوه عن زعيم المنافقين عبد الله بن أُبي بن سلول ! وغيرها من مواقف العفو التي تتخلل سيرته الطاهرة صلى الله عليه وسلم .
* عفو أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن مسطح بن أثاثة الذي كان قريباً لأبي بكر الصديق ، وكان يعيش على نفقته عليه ، فلم يمنعه ذلك من الخوض في عرض ابنته السيدة عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك ، فنسيَ بذلك حق الإسلام وحق القرابة ، وحق الصنيع القديم ، مما أغضب أبا بكر رضي الله عنه ، وجعله يحلف ألا ينفق عليه فنزل قوله تعالى : { وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النور : 22 ] .
وإذا كان رب الأرباب ، قاهر الأرض والسماوات ، يعفو عن المذنبين من عباده! أفلا نعفو نحن ؟
إن طِيب النفس وسلامة الصدر ، وحسن الظن بالآخرين ، وقبول الاعتذار ، وإقالة العثرة ، وكظم الغيط والعفوِ عن الناس تلك النفوس وعدها الله بمغفرته وجنته ! وأولى الناس بالعفوِ والصفح والتماس الأعذار .. مَن هم قريبون منا كالأهل والأصدقاء والخدم . وكان العفو دائماً ولازال خُلقاً من خُلُقِ الكرام ! فالله الله في العفو والصفح ، فلنتصف بهذا الخلق ولنكثر من هذا الدعاء :
( اللهم إنك عفوٌ كريمٌ تحب العفوَ فاعفُ عنَا ) .