هذا الفرح الكبير الذي عمَّ السعودية بنجاح العملية الجراحية، التي أُجريت لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله -، وخروجه من المستشفى، دلالة كبرى على هذا الحب الكبير لهذه الشخصية النبيلة، التي عملت من أجل الإنسان، وحرصت على نماء المواطن وتقدمه وتطوره. وأحمد الله الذي مكنني أن أكون شاهداً على ذلك من خلال عملي في رئاسة الحرس الوطني، بعد تخرجي من الجامعة وعملي في كلية الملك خالد العسكرية وابتعاثي من قِبل الكلية مع مجموعة من زملائي ضمن الآلاف الذين كان الحرس الوطني يبتعثهم ضمن منظومة وفكر ومنهج الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الاعتماد على بناء الإنسان، وهو المشروع الضخم الذي يقوده الملك منذ سبع سنوات ضمن مشروع الملك عبدالله للابتعاث الخارجي، والذي استفاد منه قرابة مائة وخمسين ألف مبتعث ومبتعثة في أهم التخصصات العلمية، وفي أرقى الجامعات في مختلف دول العالم؛ فشكراً لله - عز وجل - أن جعل ولي أمرنا بمثل هذه الإنسانية والنبل والكرم.
وهنا عادت بي الذاكرة لسنوات خلت في يوم البيعة قبل سبع سنوات، عندما توافد الشعب إلى الرياض وإلى قصر الحكم بخاصة؛ لمبايعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وكانت الحشود هائلة، والانتظار طويلاً، ولم يتململ الناس أو يتراجعوا من كثرة الحضور، بل زادهم إصراراً على التشرف بمصافحة الملك عبدالله ومبايعته على السمع والطاعة، في ظاهرة إنسانية وطنية تعبوية شعبية، لن تجدها إلا في السعودية.. وكنت أنظر يميناً وشمالاً إلى المنتظرين، ونحن جموع كثيفة في قاعات وصالات قصر الحُكم، فأجد عالِم الدين المتبحر بدينه وعلمه وفقهه وشرع الله، وأجد رجل الأعمال الناجح باقتصاده واستلهامه لأمن البلد واستقراره واستفادته في بناء مصانعه ومتاجره وأملاكه، وأجد استشارياً في مجال متقدم من الطب، كان ناشئاً صغيراً في قرية وادعة فوجد التعليم والطموح، وحصل على بعثة ودرساً في أفضل الجامعات العالمية، وعاد ليواصل إبداعه وخدمة وطنه، وأجد المهندس والمعلم والداعية والشيخ الهرم والطفل الصغير مع والده والإعلامي والأديب والاقتصادي ومختلف المهن والأطياف بتنوع المجتمع وشموليته.. فكان هذا الحب، وكان هذا الالتفاف شاهداً على امتداد للدولة السعودية، وتواصل لمنهج وضعه الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - ثم أبناؤه من بعده، حتى جاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لتكون انطلاقة متميزة في مجال التعليم والطب والمعمار والاقتصاد ودعم الإنسان واحترامه وتحقيق العدل فيه.. وواصلنا الانتظار والساعات الطوال حتى نلنا شرف مصافحته - حفظه الله - ومبايعته فكان يوماً مشهوداً، يحق لنا أن نفتخر به، ونعيد استذكاره.. وفعلاً حقق الملك عبدالله الشيء الكثير؛ فهناك التعليم الذي وضع ثقله فيه عن طريق مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، كما أنشأ جامعات جديدة، وأقام جامعة عالمية، هي مركز علمي ضخم على مستوى دولي، وبمواصفات علمية متقدمة. وفي الاقتصاد أنشأ المدن الصناعية، وشجع الاستثمار الأجنبي، وتطور الاقتصاد والعمران والبناء، وكانت سياسته الحكيمة سبباً - بعون الله - في أن تتجنب السعودية الأزمة العالمية الاقتصادية، حتى أصبحت بلادنا ضمن العشرين دولة الأكبر اقتصاداً في العالم. وفي مجال خدمة الإسلام واصلت السعودية منهاجها القائم على العقيدة الإسلامية؛ حيث توسعة الحرمين الشريفين وتطوير المشاعر المقدسة وتوسعة المسعى وجسر الجمرات وقطار المشاعر، وتوسعة صحن الطواف، وإيصال رسالة الإسلام عبر الفضائيات بنقل الصلوات ومناسك الحج إلى جميع أنحاء العالم بإعلام متخصص مدعم بالقنوات الفضائية وبالترجمة الحية.. وفي مجال القضاء إعلان مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء، وإنشاء المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف. وفي المجال الإنساني إشاعة ثقافة الحوار، وإنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وحوار الحضارات لما فيه مصلحة الإنسانية؛ ولهذا لا غرابة في أن نجد هذا الحب والسعادة والبهجة والفرح بنجاح العملية، وتوافد المواطنين باختلاف أطيافهم؛ للاطمئنان على صحة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - والفرحة بخروجه من المستشفى، وفي مقدمتهم أمير النبل والوفاء والقيم الحميدة ولي العهد الأمين الأمير سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -.
سعود بن صالح المصيبيح
http://sabq.org/VZ0aCd