شجاعة المواطنين.. وثقافة التجمهر!

لن أثني على شجاعة المواطنين وتسارعهم في إغاثة المصابين في حادثة ناقلة الغاز وحسب؛ فذاك مشهدٌ شهمٌ شاهدتموه جميعاً، وأسأل الله تعالى أن يرحم الموتى ويشفي المصابين، بل سأكبِّر الصورة؛ لتحيط بكل المشاهد الإنسانية فائقة الجمال، ومنها ما رأيته أثناء مروري بالحادث الأليم، الذي أسأل الله أن يرحم من مات فيه، ويعافي من تضرر، والذي اضطررت لمشاهدته في الخط السريع بين مكة وجدة؛ فقد هبََّ العديد من المواطنين لإنقاذ أفراد العائلة المبعثرة، ومحاولة إخراج العالقين منهم في السيارة المنقلبة رأساً على عقب من جهة، وتنظيم السير الذي تعطل بسبب شاحنة النقل "التريلا" المصطدمة ببعض السيارات من جهة أخرى، وذلك قبل وصول الأمن والإسعاف.


لو كان هناك تدريب في الإسعافات الأولية والتعامل مع الكوارث والتطبيق الفعلي لبعض الأحداث على سبيل التجربة لدى المواطنين لكان تعاملهم مع الحوادث أكثر كفاءة وجدوى من مجرد محاولة الإسعاف والنجدة الفطرية النابعة من تعاليم الدين والشعور بالواجب، ولكن - للأسف الشديد - يقف البعض بعد ذلك حائراً، لا يعلم ماذا يمكنه أن يقدم..؟ حتى وصول الجهات الأمنية، ولرُبما فارق المصاب الحياة، وقد كان بالإمكان إسعافه - بإذن الله - تعالى.


جميع الجهود التي يبذلها المواطن والمقيم في الإغاثة والإنقاذ على اختلافها جهودٌ يشكرون عليها، وهي تستحق التكريم؛ للتشجيع على هذه الظاهرة، خاصة بين الشباب.


وعلى النقيض من ذلك، نجد هواة التجمهر، الذين يعطلون كثيراً عمل المختصين، وقد يضاعفون من الحوادث، ويؤخرون إسعاف المتضررين؛ من أجل الفضول البحت، وإشهار الكاميرات لالتقاط الصور والفيديوهات؛ للتسابق في نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي!

غير آبهين بالفوضى والضرر اللذين يحدثونهما؛ فلا هم أسعفوا، ولا هم أراحوا وسهلوا المهمة للمختصين. إنها مشاهد كثيرة ومتكررة - مع الأسف - وآخرها ما رأيناه في حادثة ناقلة الغاز، وقبلها مدرسة البراعم المنكوبة.


والحل هو تكثيف التوعية الجادة والمستمرة بشتى الوسائل، فأُمَّة ازدادت وعياً واطلاعاً وتأثراً في الكثير من القضايا المعاصرة، بل ساهمت فيها وأثرت، خاصة في الإعلام الجديد منها، ألا تتأثر إن كانت هناك جهود مستمرة تُبذل من الجهات الأمنية أو من أصحاب الأفكار الإبداعية من الأفراد أو المؤسسات والمدارس والجامعات من أجل التخلص من هذه الظاهرة السلبية!؟
برأيي أن تكثيف التوعية الإعلامية لهذه الظاهرة، وتخصيص يوم في العام لها، أسوةً بيوم المعلم مثلاً، أجدر نفعاً من فرض الغرامات والمساءلات.. فمن الذي يستطيع أن يحصي عدد المتجمهرين ويحصر أسماءهم كي تُفرض عليهم غرامة أو يُجلبوا للتحقيق؟ حتى ولو افترضنا اختراع زميل لساهر من أجل هذه الظاهرة سنجد أن العقوبة ستُطبّق على أناس دون آخرين، وقد يحدث الخلط بل الظلم بين المسعفين والمتجمهرين، لكن ما أجمل أن يكون الشخص مقتنعاً قناعة ذاتية بسلبية هذه الظاهرة، وتسببها في تفاقم الحوادث؛ فعندها ستختفي هذه الظاهرة.
· ناقلات الغاز قنابل موقوتة تمشي في طرقاتنا، خاصة إذا اجتمع معها عدم تقيد تلك الشاحنات بالأوقات والسرعات المحددة، التي - رغم الحادث - ما زالت تجوب الشوارع بالتسيب والإهمال ذاتيهما، بشهادة وتوثيق العديد من المواطنين لتجاوزاتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما لا تقل مصانعها بجوار المنازل عنها خطورة "كيلو 14 بجدة مثالاً"، وهي مشكلة كبرى تحتاج إلى تحرك سريع لحلها قبل أن نسمع عن كارثة حي بأكمله - لا قدر الله تعالى -.

وفي انتظار الخطط البديلة التي تحدثت عنها الإدارة العامة لمرور الرياض، والتي نرجو أن تُطبَّق بأسرع وقتٍ وعلى المحافظات كافة، بمدنها وقراها، والاهتمام ودراسة بعض الأفكار المميزة التي يطرحها المواطنون على اختلاف مجالاتهم وتخصصاتهم؛ ففي الشعب عقولٌ جبارة، ترغب في المساهمة في عجلة البناء والإبداع في كل المجالات، وتحتاج فقط إلى إعطاء مساحة من الاهتمام ودراسة تطبيقها، لا جمعها لتكون أخيراً في قائمة المهملات!..




http://sabq.org/7X0aCd