في كتاب "المطالعة" يا وزارة التربية!

لكي تصل رسالة الكاتب إلى القارئ في هذا الزمن بشكل واضح فهو معنيّ بأن يكون صادقاً فيما يكتب، وصريحاً فيه، وإلاّ كان ما يكتب مجرّد تنفيس عن حالة، أو تلميع لجهة، يعتقد أنّه قد يلجأ لها يوماً إن ضاق به الحال، أو قصرت بك الخطى!

كلّ ما مضى أشياء تداعت إلى نفسي وأنا أتمّ قراءة مقالة في مادة المطالعة عن "الفراغ وأثره في الحياة الاجتماعيّة". كُتِبَت هذه المقالة ونُشرت عام 1394هـ في مجلة "قافلة الزيت"، وتمّت الاستعانة بها ـ بتصرّف ـ في كتاب المطالعة لطلاب المرحلة الثانوية!

شعرتُ بارتباك شديد وأنا أحاول إقناع الطلاب بصدق ما في المقالة التي كُتِبَت قبل أربعين عاماً تقريباً، وفيها ثناء مبالغ فيه على جهود وزارة التربية والتعليم في الاهتمام بأوقات الفراغ لدى الشباب، التي تمثّلت ـ بحسب كاتب المقالة ـ في تزويد المدارس بالمدرّبين الرّياضيين وإعداد الملاعب، وتوفير الأدوات الرياضيّة في مدارس التربية والتعليم، وطلاب مدرستنا اليوم لا يجدون في مدرستهم ملعباً لكرة القدم!

بدأت أسأل: كيف يستطيع معلّم مثلي أن يقنع طالباً اليوم في المرحلة الثانوية بوجهة نظر كاتب ما في أشياء تعني الطالب في المقام الأول، وتلامس يومياته في المدرسة على سبيل المثال، وهو يشاهد تقصير وزارة التربية والتعليم في إنشاء المدارس المجهزة باحتياجات الطلاب كافة، من ملاعب ومرافق عامة ومعامل علمية وقاعات دراسية مجهَّزة بأحدث التجهيزات، ومعلِّمه في أبسط الأشياء يشتري أقلام السبورة من جيبه الخاصّ بشكل أسبوعي؟!

ألا يدرك بعض الكتّاب أنّ قراءة بعض ما يكتبون من مبالغات، تمرَّر بطريقة ساذجة إلى القراء وسط واقع يفضحه التقصير، وتكشفه الدلائل الملموسة، لم يعد ممكناً في زمن مختلف، وأجيال مختلفين؛ فواقع الطلاب في بعض المدارس أنّهم لا يجدون مقاعد يدرسون عليها، ولا ملاعب، ولا صالات، ولا قاعات درس جيدة، تمكّنهم من تفريغ طاقاتهم وإبداعاتهم؟!

لم يقف سؤالي السابق عند هذه التساؤلات المنطقيّة فقط، بل تمدّد سؤالي ليصبح أكبر؛ إذ كيف يستطيع كاتب ما أن يقنع شاباً في ريعان شبابه بأن الفراغ قاتل، واللعب في الأزقة والشوارع خطر، والتسكّع ضرر، وصحبة أصدقاء السّوء انتكاسة قد تقلب حياته رأساً على عقب، وهذا الشاب وأمثاله ينتقلون ـ اليوم ـ من قناة تلفزيونية إلى أخرى، متابعين أندية الرياضة في بلدهم ولا يستطيعون أن يقتحموا أسوار أحد تلك الأندية الرياضية؛ كي يلعبوا أو يسبحوا أو يقضوا أوقات فراغهم في ناد منها، في الوقت الذي لا يتردد فيه القائمون على تلك الأندية في المجاهرة بكتابة أندية "رياضية، ثقافية، اجتماعية" على مداخلها ؟!

أصدقكم القول بأنني شعرت بهذا الحرج الكبير لكاتب المقالة "سابقة الذكر" وهو يسبح في خيالٍ طاغٍ قبل أربعين عاماً، وربما يكون واقعاً لا يثبت في هذا الزمن، فيطلق العنان لقلمه دون أن يقرأ من اختار هذا الموضوع الواقع، أو يستطلعه بشكل جيّد؛ فيثبت فيه ما يجد، ويرجو تحقيق ما لم يجد دون تعميمه!

الكتابة في مثل هذه الأعمال أو الأفعال التربوية الخلاّقة لا تبحث اليوم عن عواطف يجيّش لها بل تسأل عن أفعال تُشاهد، وتُختبر!

الكتابة بخيالٍ طاغٍ كانت مقنعة لنا قبل عشرين أو ثلاثين عاماً، لكنها لم تعد مقنعة اليوم لطلاب يملكون أشياء كثيرة في بيوتهم، ولا يملكونها في مدارسهم، فمتى يدرك المعنيون في وزارة التربية والتعليم أنّ ما يُلمس بشكل يومي يقنع أكثر مما يُكتب عنه ولا يُرى؟!

أحلامنا يا وزارة التربية ـ قبل عشرين عاماً ـ لم تكن تتجاوز مقعداً وطاولة ومعلِّماً يُشفِق علينا، ويخاف الله فينا، في حين أنّ أحلام طلابنا ـ اليوم ـ تجاوزت المقعد والغرفة والطاولة إلى ملاعب وتقنيات حديثة ومبانٍ نموذجية!

أحلامنا يا رعاية الشباب لم تكن تتجاوز مشاهدة مباراة في كرة القدم، تُنْقل على قناة وحيدة، وأحلام شبابنا ـ اليوم ـ أندية رياضية تُفتح لهم أبوابها، وتُثبت فعلاً لا كتابة أنّها أندية رياضية ثقافية اجتماعية!

الإقناع لم يعد اليوم خاضعاً للمعلومات المجانيّة التي يستعين بها كاتب ما في توصيل فكرة ما، خطرت على باله، وأراد أن تصل إلى غيره؛ الإقناع أن تفعل ما يجب في الوقت الذي يجب!




http://sabq.org/NY0aCd