في ظل تفاقم بؤرة الفساد لدى البعض يظل المواطن المسكين هو الضحية والهدف الأول لنتائجه. تخيل أن "فوبيا الخوف" من كل شيء صار يطارد المواطن، وأصبح في رعب من أشياء كان يراها في السابق شيئاً طبيعياً. صحيح أنها مواقف قد تكون مضحكة نوعاً ما، لكن "شر البلية ما يضحك"؛ فبعد انفجار شاحنة الغاز الشهيرة في الرياض أصبح الجميع يعتقد أن بيته مهدَّد بالانفجار بسبب أسطوانة الغاز التي في بيته، بل إن بعضهم حينما يرى شاحنات عند الإشارات يترك سيارته ويهرب خوفاً على نفسه؛ فما رأت عين أبلغ من وصف حكيم! والسؤال: مَنْ حوَّل هذا الشيء إلى بعبع يخاف الجميع منه؟ ومَنْ هو المجرم الحقيقي في الموضوع؟ إنه "الفساد"!! حتى المطر الذي كنا نفرح به دون خوف أصبح فرحنا مشوباً بخوف من أن تكون هذه الأمطار وبالاً، أو أن تتجمع الأمطار تحت الأنفاق أو في الأودية، وتسبب الغرق والموت، وما زالت أحداث الأنفاق التي جلبت الموت الجماعي ببعيدة عن الأذهان.
وما تركه حادث نفق السويدي، وما خلفته أحداث سيول جدة المميتة، هو صانع الفوبيا، وهو سبب الخوف المزمن الذي ظل يعشش في نفوسنا، وهو الذي يرسم خطواتنا وتفكيرنا، ويزرع الخوف والتردد والارتباك في نفوس أجيالنا القادمة التي تنبض قلوبها بمشاعر الخوف والاضطراب والهلع.
وانظر إلى انهيارات الطرق وإغلاق الكباري وغرق الشوارع بأقل الأمطار نزولاً، بينما في الدول الأخرى تجد الأمطار 24 ساعة، وتجد كل شيء لا يتأثر، ولكن بسبب "الفساد" لدينا أصبح المطر يخيفنا.
وقس على ذلك كثيراً من الأمور التي أصبحنا نخاف منها مع أنها كانت شيئاً طبيعياً، لكن "نكهة الفساد" أفسدت طبخة الحياة الطبيعية، وجعلتها هلعاً وهاجساً يبعد الراحة عن أنفسنا، ويجعلنا نتوجس من كل شيء حولنا، ونشك في كل شيء.. الفساد جعل مزاجنا مختلفاً وثقتنا في بعضنا ضعيفة، وتكرست في نفوسنا وأذهاننا نظرية المؤامرة في كل شيء حتى على مستوى الأسر والبيوت وزملاء العمل والدراسة.
هكذا جعل الفساد من حياتنا بؤرة خوف من كل ما هو حولنا، وبؤرة تشتت انتباهنا، وتربك تفكيرنا، وتنغص معاشنا، دون أن تتيح لنا فرصة لنفكر كيف نقضي على هذا البعبع ونريح أنفسنا من كل ما أصابنا، دون أن ندرك خارطة الطريق نحو تطويق الفساد، والتخلص منه، ووضع حدٍّ لهذا الخوف الذي سكن نفوسنا ولم يخرج منها.
رأس الحية هو الفساد في كل مكان، إذا استطعنا قطعه ماتت الحية، ومات الخوف في نفوسنا، ومات التوجس في حياتنا، ووجدنا بوصلتنا في الحياة مجدداً.
http://sabq.org/5Y0aCd