لا أجد تعليلاً منطقياً، أفسِّر به حالة الشدّ والجذب بين الكاتب والقارئ حين يكون القارئ حادًّا وساخطاً في ردّة فعله تجاه الكاتب، إلاّ إذا كانت الكتابة بالنسبة له موجعة؛ لأنّ ردّة الفعل هنا لا تخضع لوعي القارئ وصدق الكاتب، بل تخضع لفعل الاستجابة غير المتأنية من القارئ الذي عادة ما يتورَّط في العجلة التي لا تهب غير الزّلل!
الكتابة سلوك حين تكون كاتباً، فأنت تكتب ما تؤمن به، ولا تملك في كلّ الأحوال أن تبسط في الكتابة؛ ليستوعب القارئ ما تكتب بشكل كامل؛ لأنّ من يقرؤك متابعٌ لك بشكل منتظم أو عارف بك بشكل مباشر أو مفَاجَأ بما تكتبه في لحظة ما!
والكتابة ردّة فعل حين تكون قارئاً أو معنياً بشأن الكتابة وفعلها!
أسوأ ما تُقابَل به الكتابات التي تكون صادمة لأشخاص معينين أن تتحوَّل كتاباتك في ظاهرة التلقّي لديهم إلى هرطقة؛ فلا أنت استطعت توصيل فكرتك بشكل واضح، ولا أنت نجحت في الحفاظ على رباطة جأش قارئك المختلف معك في قراءة ما كتبت في هدوء ودعة وسكينة، وأهمّ من ذلك في تصالح تامّ!
لا يبحث الكاتب، الذي يؤمن برسالته، عن شيء أكثر من إقناعه قارئه ـ أيّاً كان ـ بصدق ما يكتب؛ فهو لا يتجاوز الواقع، ولا يفسِّر الأفعال بأشياء بعيدة عن سياقها الذي وردت فيه؛ لأنّه لا قيمة للكاتب - مهما بلغ - في توظيف المواقف انتصاراً لنفسه - كما يتوهّم بعض القرّاء - إلاّ أنّ تعارض الفكرة المكتوب عنها مع بعض قناعات أصحاب الشأن المعنيين بالفكرة ذاتها قد يقودهم إلى تغيير مسار الكتابة، وتغيير وجهة نظر الكاتب بالتأويل بناء على أهداف مضمرة!
لا تغيب التأويلات في الكتابة، ولا تُستنكر في ظلّ الزوايا المختلفة التي يستطيع من خلالها القارئ النفاذ إلى النصّ المكتوب، لكنّ المستغرب أن تتحوّل قراءة المقالة التي يكتبها كاتبٌ إلى تأويلٍ رخيص، بفعل الرؤية غير المتصالحة في الأصل، فهي تحاول قراءة المضمون في سياق بعيد، لا يهدف إليه الكاتب، ولا يصل إليه إلاّ صاحب شأن ما في قضيّة ما لإحداث فعل ما!
الغريب في ردّات الفعل أنّ التأويل يأتي في سياق مثقل بالعبارات الجارحة التي لا تبحث عن حوار هادف، أو قراءة متعمّقة، ولا حتّى تأويل مستساغ؛ لأنّها تهرب باتجاه الشتيمة بوصفها المنفذ الأكثر مناسبة لطمس الحقيقة وتغييبها؛ فهي تعتقد أنّ الشتيمة اللفظية، والانتقاص، وربما تسخيف الفكرة، ونسفها من جذورها، الحلّ الأمثل لمواجهة الحقيقة!
كلّ ما مضى يُقْبَل في ظلّ اختلاف ثقافات الناس، وتباين الوعي لديهم، لكن أن يتحوّل القارئ "التربوي" إلى شتّام، لا يفصله عن الكاتب إلاّ جهاز كمبيوتر ولوحة مفاتيح، وقاموس لفظي يبدأ بـ "الحاقد" و"الحاسد"، ولا يقف عند "كلب ينبح"! فهذا أمر يجعلنا أمام مشكلة كبرى في ذات القارئ، الذي تحوّل من إنسان وديع إلى وحش يقذف بالكلمات في كلّ اتجاه!
http://sabq.org/RX0aCd