لا شك أن ما حدث للطفلة "رهام" من نقل دمٍ ملوثٍ بفيروس الإيدز يُعد خطأ فادحاً؛ يستوجب تطبيق أقصى العقوبات على المُقَصِّر ومَن يَسَّرَ له تقصيره.
وقد تطرَّق الإعلام لهذه القضية بشكل مكثف وواسع؛ وبما يُعفي عن تكرار الحديث.
وبوصفي متخصصاً في مجال تعزيز الصحة أرى أن هناك جزءاً مخفياً من القصة؛ بحاجة ماسة إلى أن نتطرق إليه؛ ويستوجب منا - نحن المتخصصين، مع عِظم مصيبة الطفلة رهام - أن تتم الإشارة إليه، وتوعية الناس به.
قرأنا جميعاً أن سبب نقل الدم للطفلة رهام – رزقها الله الأجر والعافية – هو إصابتها بمرض فقر الدم المنجلي، وهو مرض وراثي، ينتقل غالباً نتيجة زواج الأقارب. وهنا مربط الفرس، وما أريد الوصول إليه. فالعديد من المقبلين على الزواج لا يهتمون بالآثار السلبية التي قد تنتج من زواج الأقارب، كاحتمالية إصابة الأبناء بأمراض وراثية، كالأنيميا المنجلية والثلاسيميا، وما ينبثق منها من تبعات بالغة الأثر على صحتهم وحياتهم.
وهنا لا أُثَرّب على عائلة رهام؛ فقد قَدّر الله وما شاء فعل، ولكن حديثي للمقبلين على الزواج، ودعوتهم للحرص البالغ على التقيُّد بنتائج "الفحص الطبي قبل الزواج"، الذي يشمل عدداً من الأمراض الوراثية، وتحديد مدى توافق الطرفين للزواج من الناحية الصحية.
ولن يشعر بأهمية هذا الفحص وحجم المأساة التي تحدث للأبناء، من معاناتهم الدائمة مع الأمراض الوراثية بمضاعفاتها وآلامها وأحزانها، إلا من عاش ذلك، أو رآه أمام عينيه في أقسام الطوارئ والمستشفيات.
هذا عوضاً عن المشاكل النفسية والاجتماعية التي تعيشها الأسرة بأكملها نتيجة زواج الأقارب ممن يحملون الصفات الوراثية لبعض الأمراض.
وفي إصدار سابق لوزارة الصحة، نُشر قبل بضع سنوات، فقد وصل معدل انتشار أمراض الدم الوراثية كالثلاسيميا والأنيميا المنجلية إلى 30% في المنطقة الشرقية؛ نتيجة زواج الأقارب ممن يحملون الصفات الوراثية لتلك الأمراض، تليها المنطقة الجنوبية، ثم الغربية، وهي أرقام عالية؛ تستدعي من المجتمع أخذ التدابير للوقاية منها.
والمؤسف أن وزارة الصحة تقدّم "الفحص الطبي قبل الزواج" منذ تسع سنوات تقريباً، في حين أن نسبة استجابة المواطنين للمشورة الطبية الناتجة منه قليلة للغاية؛ حيث بلغت حتى بداية عام 1431هـ 47% فقط؛ وهو ما يتطلب من المقبلين على الزواج الاستجابة بكل جدية وحرص على ذلك؛ فلا نريد مزيداً من الأطفال المصابين بالأمراض الوراثية كالطفلة رهام، ولا مزيداً من الأسى والحزن والألم للأطفال ولمن حولهم.
هذا عدا العبء الاقتصادي الباهظ على الخدمات الصحية. وعلى سبيل المثال، تُقدر تكلفة زرع "نقي العظام" للمصاب بأحد أمراض الدم الوراثية بنصف مليون ريال!! كما أن التكلفة السنوية لعلاج المصاب بالثلاسيميا أو الأنيميا المنجلية تصل إلى 100 ألف ريال.
وعلى كلٍّ، ننتظر من وزارة الصحة العمل على تحليل جوانب هذه الحادثة المؤلمة كافة، ومعرفة الفجوات التي أدت إليها، ومعالجتها بشكل دقيق؛ لتلافي عدم تكرارها في المنشآت الصحية الأخرى، وتشديد الرقابة والإجراءات في تطبيق المعايير الصحية في عمليات التبرع ونقل الدم.
ومن المهم في المرحلة القادمة طمأنة المجتمع، وتهدئة تخوفه حيال الوضع في بقية المستشفيات. وأعتقد أن هذه الخطوة غاية في الأهمية؛ للحد من تخوُّف البعض تجاه عمليات نقل الدم أو ترددهم في ذلك. كما أن عليها – أي الوزارة - مراجعة نظام العقوبات، وتغليظ العقوبة على بعض المخالفات؛ فالملاحَظ في تصريحها الأخير حول نتائج التحقيق أن الغرامات في حق بعض المخالفين لم تتجاوز "10" آلاف في حدها الأقصى، وهي بكل المقاييس غرامات محدودة في مثل هذه التجاوزات.
وعلى جانب آخر من الأهمية ننتظر من المقبلين على الزواج التزامهم بالمشورة الطبية للفحص قبل الزواج وتقيدهم بها.
وأخيراً، دعاءنا جميعاً للطفلة "رهام" بالشفاء، ولذويها بالصبر والثبات.
http://sabq.org/ve1aCd