حملة اجتماعية شرسة ضد أصحاب الشهادات الوهمية يقودها عدد من الفضلاء. وبالنظر فقط لكمية المقالات والتعليقات في الإعلام حول الموضوع تكتشف سعة دائرته. ولا نتعجب من حجم الاهتمام إذا اطلعنا على الألفاظ المستخدَمَة في حَلّ هذه العقبة: "تعرية الخداع"، "فضح المجرمين"، "كشف المستور"، "جريمة بحق الوطن"، "حبل الكذب قصير"، "طفيليون وفاسدون".. بهذه العبارات أشعر بأن الجميع يتحدث عن "هتلر" أو مجرم لا أعرفه!
دعونا نتفق على أن شراء الشهادة، بمعنى أن يكون المال مقابل شهادة بلا عمل، تزوير لا يناقش فيه عاقل، ودعونا أيضاً نتفق على أن التعليم عن بعد أقرته دول وحكومات متقدمة علمياً، ولا يعني وجود دولة لا تقبل به أنه "خداع أو تحايل"؛ فلكلٍّ معاييره.
ودعونا أيضاً نتخيل الآتي: لديك ابن درس الابتدائية ثم توقف لسبب مَرَضي أو إجرائي أو اجتماعي، وبعد مدة من الزمن ارتأيت مواصلة دراسته لزيادة التعليم، وكسب شيء من احترام المجتمع، ولم تجد أي مدرسة معتمَدَة من الوزارة تقبل بابنك؛ لأنه مصاب، أو عمره تجاوز القانون، أو قدراته بسيطة، أو لأي علة كانت، ثم فتح الله عليك بأن وجدت مدرسة متهالكة المبنى يسيرة المناهج تقبل بتدريسه، لكنها تخبرك "صراحة" بأنها ليست معتمَدَة في الوزارة، غير أنها مصدَّقة من عدد من الملحقيات والوزارات الخارجية.. بالله عليك هل ستدرِّس ابنك في هذه المدرسة؟ أعتقد أن تقدير الأمور يحتم عليك أن تقول: "نعم"، وبعد أن يدرس ابنك في هذه المدرسة التي في بلدك، ومفتوحة على مصراعيها وأمام الجميع، وبعد فرحة التخرج تأتيك عبارات من مثل "مخادع"، "فاسد"، "مزوِّر"..!!!!
بالله عليكم مَنْ "الضحية" ومَنْ "المجرم"؟!
دعونا ننظر للأمر من دائرته الأوسع، ثم نضيق الدائرة قليلاً: إذا كنا نتحدث عن سوء المخرجات البحثية لهذه الجامعات فلدينا حالياً "الماجستير الموازي" الذي لا يضع أي اعتبار لمعيار البحث العلمي. إذا كنا نتحدث عن الأساتذة فقد علمنا أن كثيراً ممن "أشرف" على الشهادات "الوهمية" كان من أساتذة الوزارة المعتمدين، وإذا كنا نتحدث عن الوظائف فلم يتم توظيف أي شخص في الدولة "وفقاً" لهذه الشهادة.
صفحة وزارة التعليم العالي المنشأَة للتنبيه على الجامعات الوهمية وغير المعتمَدَة صفحة ممتازة، لكنها لم تُنشَأ إلا بعدما حصل كلٌّ على شهادته، وإذا لم تكن وزارة التعليم "حية" وسريعة فتوقَّع إغلاقاً وهمياً وافتتاحاً وهمياً، ولا أحد يعلم.
بقي أن أقول إن الحملة كانت "راقية" وجميلة وتثقيفية وتنويرية، إلا أنها أخذت أبعاداً شخصية، واستبعدت حسن الظن وسلامة الصدر والوقوف مع الضحية بدلاً من لومه..
حتى وصلنا لمرحلة "شهادتك مشكوك فيها حتى يثبت العكس"!!
ولو كان الأمر بيدي لسمحت بفتح ألف دكان للتعليم، ثم وضعت سلَّم تقييم من صفر حتى مئة، وبعدها كلٌّ حر بعقله.
والحكمة تقول:
إذا كنت محترماً.. فيجب أن تعلِّم الآخرين أخطاءهم بـ"احترام"!
http://sabq.org/za1aCd
الإهداءات
المواضيع المتشابهه
"د. كولومبوس"
العرض العادي
