يا عرب: كونوا عرباً

في عالم الصحافة اليوم الكل يحاول أن يغتصب الحقيقة, والحقيقة واحدة لا تتغير, والغالبية تسعى إلى ليّ أعناق الحقائق لصالحه أو التبرير لنفسه, أو الهجوم على خصومه, والواقع حيادي لا يتبدّل، بيد أن له وجهين, أحدهما سطحي مزيف ظاهر للعيان, وآخر خفي وفيه تكمن الحقيقة.

واليوم ونحن في هذه المعضلة الفاصلة من تاريخ البشرية, يندر أن تجتمع هذه الأعلام العربية المتنوعة تحت إطار واحد, وهدف مشترك, وأساليب متناغمة, فكل راية تقدّس رؤية حاملها وقيمه, أياً كانت بعيدة أو قريبة من هدف وجودنا على الأرض, رغم نصاعة رسالتنا الخالدة, ونبل هدفها.

وعرب هذا الزمان أبعد من أن يغوصوا في الحقائق أو حتى يحصلوا على أدواتها, فتراهم يصدقون كل ناعق أو يعجبون به, أو يمجدونه في تفكير جمعي عجيب, ومن أوتي خزائن المال شرى له أصواتاً تعوي, وأخباراً تتدفق, وأيدٍ تصفق, وأجساداً تتملق, احتكروا الأزلام والأعلام, وطارت بذكرهم الأيام, لكنهم لم يوجهوها للأمّة بل ضدّها. وكما يقول الشاعر عبدالله جبر ساخراً:

لما اطمأنوا إلى المستقبل النضر... ماتت عزائمهم موتاً بلا خطر

أما أولئك (الآخر) فإنهم يجتمعون على وصاياهم العشر, وثالوثهم المقدّس, وسيدهم (صهيون) الأوحد, يبديها من يبديها, ويخفيها منهم من يخفيها, طالما أن الرؤية واضحة, والوسيلة محققة, ينحدرون من طرقٍ شتى, ويلتقون في مصبٍ واحد, ولذلك سادوا وأبادوا! يحاولون إعادة إنتاج مفاهيم جديدة يفرضونها على العرب المتأخرة, فيطلقون الإرهاب ويقصدون به الجهاد, ويقتلون الآمنين ويقولون تحريراً, (سلّعوا) المرأة وباعوها بأبخس الأثمان, وجاؤوا إلينا ببضاعتهم المزجاة يحاولون أن يفرضوها بأغلى الأثمان, يناصرهم في ذلك الحالمون بجنة الإعلام والمال.

تفتح القناة الفرنسية الناطقة بالعربية ويصدمك شريط أحمر عريض منتصف الشاشة (مالي: أجواء احتفالية بعد طرد الجهاديين منها) تنتقل إلى نظيرتها الروسية فلا تكترث كثيراً حين حوّلت الجلاد إلى ضحية, والحَمل إلى (أسد) هصور, ثم تمر مرور (الكلام) على البقية الباقية من المؤدلجين وحاملي الشعارات لتشاهد رأيهم فيما يصنعه قائدهم بشعبهم من مذابح, فتبتسم ابتسام المثكولين حين تتأمل الشاشة السوداء ينتصب عليها إعلان تحذيري للمزارعين يسبق أخبار الفبركة اليومية (تشرين المقبل آخر موعد لقطاف القطن) وعمَت وصمّت عن الحاصد الأكبر الذي قطف الرؤوس والزهور, وأهلك الحرث والنسل, وتبتعد قليلاً إلى المعاقل الأخيرة التي لم تصلها الثورات, وآخرين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً من قنوات وحدة المصير, وروابط الدم, فلا تجد برنامجاً ذا قيمة يحاول أن يشكل وعياً بأزمتنا, أو يستلهم التاريخ, أو يستمطر المستقبل, الكل يريد أن يسلق المعلومة لمن يدفع أكثر, ويشاهد أكثر, ويصفق أكثر, قليل منهم يستشعرون بآمال الأمة, وكثير كثيرٌ يبحثون عن أمجاد شخصية, وأطماعٍ حزبية, ونمارق حريرية, ولأن اشتداد الظلمة يعقبه انبلاج الفجر فإن الفرج لا محالة قادم.





http://sabq.org/dg1aCd