شهد السعوديون قصة غرق جدة وتبوك بكل تفاصيلها، وشهد أبناؤهم المبتعثون في الغربة قصة غرق نيويورك ونيوجرسي بكل تفاصيلها أيضاً، ولاحظ العالم ردود الفعل في إدارة الأزمات لكلا الطرفين، وهناك الكثير من الدروس التي كان يمكن تعلمها لمنع كارثة أخرى (الزلفي وحائل والأفلاج تغرق الآن)، تتلخص هذه الدروس في ثلاثة محاور رئيسة:
1- المحور الإعلامي: حيث توالت خيبة أمل السعوديين من قناتهم الإخبارية اليتيمة، التي تلتفت لكوارث الفلبين والأكوادور، وتبيض عيناها من (الفشل الإداري) حيث لا ترى معاناة أبناء الوطن عندما تتخطفهم السيول من كل جانب. أهمية الإعلام هنا بصفته المحرك الأول لاستنهاض المؤسسة الحكومية والقطاع الخاص، ليدركا حجم الدمار الذي يكتسح المنطقة. في إعصار ساندي أوقفت السي إن إن جميع برامجها، ووزعت مراسليها على طول ساحل المناطق المنكوبة في تغطية مباشرة مستمرة، وتنسيق لا ينقطع لتوجيه بوصلة المساعدات للمناطق المنكوبة. هذه هي قصة الفشل الأولى.
2- المحور الحكومي: حيث في تبوك –مثلاً- كان الرجل الأول يوجه خطابه للمواطن من منتجعه السياحي، بينما كان (كرستي) محافظ ولاية نيوجرسي المنكوبة، قد وصل قبل رجال الدفاع المدني للمناطق التي أصابها الإعصار، ولم تظهر شمس الصباح لليوم التالي إلا ورأس الهرم (أوباما) على أرض الواقع، حيث وجّه كل مراكز الدفاع المدني ووسائل الإنقاذ للولايات القريبة بالتوجه للمناطق التي حل بها الإعصار، ومعها شيك فيه عشرات المليارات للمساعدة في تخفيف الآلام.
رجال الدفاع المدني السعودي قدموا تضحيات وجهوداً جبارة يشكرون عليها، لكنها دون المأمول، ولا يوجد هناك تخطيط فعلي لإدارة الكوارث والأزمات. بعد إعصار ساندي بدأت عملية التحقيق في معرفة الخلل وجوانب القصور، ويرفع التقرير للكونجرس الأمريكي، ويتم توزيعه في كل المكتبات العامة، كحق للمواطن لمعرفة حيثيات ما حصل. هذه هي حكاية الفشل الثانية.
3-المحور المجتمعي: ويكمن في مؤسسات المجتمع المدني، حيث هناك عشرات بل مئات المؤسسات غير الربحية، ولديها قوائم بعشرات الآلاف من المتطوعين، مزودة بأسمائهم وإيميلاتهم وأرقام هواتفهم، وقد حصلوا على تدريب أساسي للمساعدة في تخفيف آثار الكوارث الطبيعية. ما زلت أذكر أن الصليب الأحمر على سبيل المثال في الولاية التي أدرس بها، توجه ومعه عشرات من أهل الولاية للمساعدة -عمل تطوعي بحت- في تخفيف كارثة ساندي، وهي ولاية تبعد بالسيارة 12 ساعة! كما فعلت كثير من الولايات الشيء ذاته.
هذا المحور الأخير هو أهم قصص الفشل في الحكاية السعودية لإدارة الأزمات، لأن تكاتف المجتمع الأمريكي في نيويورك ونيوجرسي، أحدث الفرق وعجّل بعملية الإصلاح والتغيير، حيث لا الحكومة الأمريكية ولا الإعلام يستطيعون -من دون تكاتف المجتمع- مواجهة كارثة بهذا الحجم.
صحيح هناك قصص بطولية لسعوديين تجاوزوا التفرج والتصوير، ليشاركوا في حملة الإنقاذ وإجلاء العوائل والأطفال، ولكن من الصحيح أيضاً أننا كمجتمع ما زلنا غير منظمين، ونحتاج لمؤسسات مدنية غير ربحية تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية، يكون لها فروع في كل منطقة لتنسيق جهود العمل التطوعي لأي كارثة قد تحدث في المستقبل. أيضاً نحن كمجتمع نحتاج لتذكير بعضنا بأن نهتم أكثر بتحذيرات الدفاع المدني وهيئة الأرصاد مستقبلاً، فلا ينقطع العجب من إنسان عاقل يذهب برغم كل هذه التحذيرات والمخاوف بأسرته الصغيرة ويمكث في مجرى السيول، ويتجول بين الشعاب والأودية. هذا ضرب من الجنون، وقصور في الوعي بأهمية هذه الروح الغالية التي بداخل كل إنسان.
مثل هذه الكوارث.. فرصة ذهبية لإعادة الحسابات والمراجعة والتقييم، ومحاسبة المقصر، ومحاربة الفساد، وقد حان الوقت كقيادة ومجتمع أن يكون هناك نقاش جاد وصريح حتى نكون أكثر استعداداً للمستقبل. هذا ما يمليه الدين والعقل والمنطق.
http://sabq.org/ti1aCd