في اعتقادي أنه لا يختلف اثنان على أن برنامج "الثامنة مع داوود" اكتسب شهرة واسعة خلال فترة قصيرة من الزمن، وأصبح أحد أكثر البرامج الاجتماعية مشاهَدَة من قِبل المجتمع السعودي.
وفي المقابل، لا يخفي على الجميع النقد الذي بدأ يظهر مؤخراً على وسائط الإعلام الاجتماعي حول الدور المناط بهذا البرنامج وأهدافه، وميله للإثارة الإعلامية، وأنه "لتفريغ الشحنات"!!
ومن خلال متابعتي للعديد من حلقات البرنامج، ومشاركتي بإحداها، أعتقد أن البرنامج استطاع تحقيق العديد من النجاحات، ليس أقلها رفع مستوى النقد في الإعلام السعودي، وإيصال صوت المواطن لأصحاب القرار، إضافة إلى قدرته على تشكيل الرأي العام في قضايا جوهرية للمجتمع، وكل ذلك يُعَدّ مناقب حسنة للبرنامج.
وأمام ذلك كله، هناك مساحة واسعة لتطوير هذا البرنامج؛ ليصبح أكثر تأثيراً وتحقيقاً لأهدافه، أطرحها بشكل مختصر في هذا المقال.
فعلى سبيل المثال، يُؤخذ على البرنامج عدم تركيزه على الحلول، وإثارة جوانب الخلل بطريقة متشعبة ومتراكبة، وهو ما لا يخدم موضوع الحلقة بشكل فعّال، ويُضعف جانب الحوار. ولهذا، يُستحسن أن يتم اختيار مواضيع محددة ودقيقة، وطرح جوانب الخلل ذات الأولوية دون تشعب، وإعطاء وقت مناسب لبسط الحلول ومناقشتها.
ولعل من أبرز جوانب ضَعْف البرنامج كثرة الضيوف مقابل قلة الوقت، وهو ما قد يجعل النقاش مبتوراً غير مكتمل، تكثر فيها الطروحات المشتتة للمشاهد.
كما أن هذه الكثرة لا تعطي الفرصة لمعالجة المشكلة برؤية شمولية. وفي اعتقادي أن تقليص عدد الضيوف، مع الاختيار النوعي لهم، سيُظهر البرنامج بشكل أكثر مهنية وحرفية. ويلْحظ متابع بعض حلقات البرنامج، التي يقل فيها عدد الضيوف، كيف تُطرح القضية بمزيد من العمق والروية.
ومن أهم جوانب ضَعْف البرنامج إهماله قضايا مُجتمعية بالغة الحساسية، وتهم شرائح واسعة من المجتمع السعودي. وبحكم التخصص، أضرب مثالاً على ذلك بالقضايا المتعلقة بانتشار العديد من الأمراض المزمنة، وفي مقدمتها أمراض القلب وطرق الوقاية منها، وانتشار العديد من الممارسات المهددة للصحة كالخمول البدني والإفراط في الأطعمة الغنية بالدهون والسعرات الحرارية، وما يتعلق بالأنظمة والسياسات الوطنية ذات العلاقة بتعزيز الصحة، وكذلك الممارسات العبثية غير الصحية للعديد من شركات الأغذية ومطاعم الوجبات السريعة.
وفي غير الجانب الصحي، فإن البرنامج بحاجة لإعطاء مزيد من الدعم لقضايا حقوق وحماية المستهلك، التي لا يكاد يخلو بيت من ضرر إهمالها. ومن المعلوم أن تلك المواضيع تجد مساحة واسعة لها في العديد من البرامج التلفزيونية الأكثر شهرة في الغرب؛ كونها تمس احتياجات شعوبها، ويصل تأثيرها لشرائح متعددة من المجتمع.
ولعل من جوانب التحديات التي يواجهها البرنامج استضافة بعض الضيوف ممن لا يمتلكون التصور الكامل عما سيتحدثون عنه، أو ضَعْف في مهارات الإلقاء، وهذا بطبيعة الحال سيضعف وجهة نظرهم والموقف الذي يميلون إليه، في حين قد يكون هذا الموقف هو الأهم في الحلقة كلها. وهنا يأتي دور فريق العمل المساند للبرنامج في البحث عن الكفاءات المتميزة، والتنقيب عن المغمورين منهم.
كما يُضاف لجوانب الضَعْف تكرار طرح العديد من المواضيع، وهو ما قد يُفقد البرنامج شعبيته.
كما لا يخلو أسلوب طرح البرنامج من الصلابة والقسوة غير المبررة أحياناً مع بعض ضيوفه، الذي قد يُفهم خطأ بأنه نوع من اللامبالاة والتعالي. ولا أقلل هنا مطلقاً من أهمية الوضوح وقوة الطرح على الضيف في البرامج الحوارية.
الخلاصة أن "الثامنة مع داوود" برنامج ذو شعبية كبيرة، يمتلك جوانب مكاشفة غير مسبوقة في الإعلام السعودي، استطاع كسر حاجز الرهبة الإعلامية في التعاطي مع العديد من قضايا المجتمع الحساسة، إلا أنه يستطيع أن يصنع مزيداً من الأثر والنجاح لو حاول تلافي تلك التحديات.
أتمنى أن تجد تلك الرؤى صدى لدى أ. داوود الشريان وفريق عمله، وأقترح عقد ورشة عمل لتقييم البرنامج وتطويره، يشارك فيها نخبة من المتخصصين في المجال الإعلامي والاجتماعي والثقافي والصحي والاقتصادي.
http://sabq.org/Va1aCd