الوطن الذي يقتلك في المساء ثم يعلن عليك الحداد في الصباح, الوطن الذي يشردك من بيتك, يسقطه بقذيفة على أطفالك, يطيح بالأعمدة الإسمنتية على رأسك, هذا وطن مزيف غير حقيقي, الأديب محمد الماغوط رحمه الله في كتابه (سأخون وطني) قال كلاماً قريباً من ذلك حين قسم الأوطان إلى نوعين: أوطان حقيقية, وأخرى مزورة, وهي أوطان الطغاة من السياسيين والحكام.
اليوم يُقتل السوريون مثل صائدو الجراد ليلاً حينما (يهبدون) فرائسهم تحت جنح الظلام الحالك, فيصبحون وهم أرتالاً ممزقة تُساق في مقابر جماعية, دون أن يسفر ذلك إلا إلى مزيد من الشجب البارد والإدانة الخجولة؛ لأن المروءة العربية والشهامة الإسلامية فقدت في رحلتها الاستهلاكية الدنيوية كل هذه المعاني, واستبدلتها بـ(عقلنة الانفعالات) و( ترويض السلوك) و(ضبط النفس) لتواري سوأتها, ومن خرج منها ثائراً كانت المعتقلات الأرضية له بالمرصاد حياة ونشوراً.
إن سيطرة الشعور باللاجدوى, وغياب الشعور بالمسؤولية, والإحساس بالإحباط في الجنس العربي، حتى لدى المثقفين منهم, هو نتيجة طبيعية للقمع الذي مُورس ضده كل هذه السنين. وهذا ما يشير إليه الكاتب الياباني نوبواكي نوتاهارا في كتابه (العرب من وجهة نظر يابانية) والذي ساعدته رحلته في البلاد العربية لأربعين عاماً في اكتشاف بعض المظاهر الاجتماعية والسياسية، حيث يقول (أدى غياب العدالة الاجتماعية وسيادة القوانين إلى الفوضى, وتعرضت حقوق الإنسان للخطر, لذلك أصبح الفرد هشّاً وساكناً بلافعالية , وإن المجتمع العربي يتحدث كثيراً عن الديموقراطية لكنه لا يستعملها, لذلك انتشر القمع).
تقلّب كتب التاريخ, تبحث عن إجابات مقنعة لأسئلة شائكة, ولا تجد إلا ومضات بسيطة في خضم هائل من الخطابات العاطفية وأبيات الشكوى والرثاء, وبيت شعري بديع للجواهري يقول فيه:
دمشق صبراً على البلوى فكم صهرت *** سبائك الذهب الغالي فما احترقا
http://sabq.org/1j1aCd