أتابع ما بدأته في مقالتي بالجزء الأول، عندما تحدثت عما حصل من مواقف أثارت المجتمع أو بعض أفراده، وخصوصاً المجتمع التعليمي لدينا، مما حدث في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن.
كنت قد تحدثت في الجزء الأول عن موقف الأفراد في المجتمع، وبعض الاجتهادات التي بدرت منهم، والتي قد تكون سلبية بعض الأحيان. وتحدثت عن الصمت المطبق الذي تتعامل به الجامعة دون إصدار تبريرات، أو حتى فتح باب للنقاش..
في هذا الجزء من المقال أريد أن أعقب على جانب مهم جداً، وأرى من وجهة نظري أهميته؛ لأنه الجانب الذي تستند إليه جميع مفاهيمنا التعليمية وطموحاتنا العملية، والركن الذي تدور حوله جميع التطورات والاجتهادات التي تصدر عن أي جامعة في السعودية.
هذا الجانب هو الدور الفعلي لوزارة التعليم العالي مما يحدث في الجامعات، سواء من مستجدات إيجابية أو سلبية. وللأسف أرى أن هناك كمًّا من السلبية تتعامل به هذه الوزارة دون أي مبرر أراه!!
فالكثير من الأحداث التي تحصل في شتى الجامعات، سواء الحكومية أو الأهلية، لا يوجد لوزارة التعليم العالي أي صلة واضحة من حيث التأثر والتأثير من الناحية الإعلامية، وهذا لم أره أنا فقط، ولكن لمسته من الناحية العملية أيضاً. ومن خلال تجربتي في الميدان أرى أن هناك حلقة مفقودة بين وزارة التعليم العالي والجامعات، ولا أعلم ما السبب في ذلك!!
فالصحف على أنواعها تطالعنا بالكثير من الأخبار التي تشهدها وزارة التعليم العالي، من حيث توقيع العقود، وإنشاء الوحدات التطويرية، وأخبار الجودة العالمية، وغيرها، ولكن لم أرَ يوماً ما أن الوزارة وقفت موقفاً جاداً حيال موضوع يشغل المجتمع تجاه جامعة معينة، أو أنها تقدم إجابات لتساؤلات كبرى، تعجز أغلب الجامعات عن تقديمها أو تبريرها!
القضية كلها تنظيم نراه جميعنا، وتوقيعات تشير إلى مدى التطور الإيجابي، وتعيينات تطرح الكثير من التعزيز لها بوصفها وزارة، ولكن لا يوجد أي حلقة اتصال تجمع الوزارة الأم بأفراد المجتمع من خلال جامعاتها!
فالقضية اجتهادية أكثر من أنها تنظيمية، والجهات الإعلامية في الوزارة أشعر بأنها مشغولة في الإنجازات، ولا علاقة لها بما يحدث من اضطراب مهم، لا بد أن تقف عليه ومعه؛ حتى تضع للمتجاوز حداً، وتقدم للمنجز مكافأة، تليق بإنجازه.
أعلم أن هناك الكثير من التحركات الصامتة حيال بعض الأمور، وتحركات قد تكون تأديبية لبعض الجهات المقصّرة، ولكن أليس من حقنا نحن الأفراد في هذا المجتمع أن نعرفها، ونتفهم ما قد يحدث؟!!
ما الذي يهمنا إن كانت الوزارة صرفت الملايين على مشروع ما أو التعيين لشخص من الناس أو الإنجاز الذي حققته بجانب جامعات أخرى؟ دون أن تركز على الجانب الأهم، وهو التساؤلات المطروحة والانتقادات الموجهة من المجتمع لبعض أبنائها، وهي الجامعات التي تقف ليل نهار حتى تحقق لها التطور المنشود والمنظور!
آمل وبشكل دائم أن تتطور وزارتنا هذه؛ لتكون الأم الحازمة لكل ما يحدث، والأم التي تضرب على يد أبنائها عند تقصيرهم، وتظهر للملأ لتقول لهم "قد عملنا كيت وكيت"، دون أن تضطر المجتمع إلى طرح تساؤلات سائبة دون أن تجد الإجابة الأنسب لها!
إنني هنا لا أوجه نقداً بقدر ما أوجه رسالة مهمة ومحورية لوزير التعليم العالي، هي أن يوجه الجهود الإعلامية للمجتمع أكثر من أن يوجهها لإظهار الإنجاز فقط؛ فالأمر هنا ليس بالسهل عندما نترك الحبل على الغارب، وننشغل فقط بما يحدث من إيجابيات؛ فالعواقب قد تكون أشد وأنكى عندما نترك الأمور السلبية تظهر على السطح دون عمل أمر ما أمامها!!
فليس الموضوع إنشاء جامعة وكليات وتخصصات وكادر، ولكن أيضاً إنشاء سمعة لتلك الجامعة، وإيجاد قاعدة معنوية لها، تكتسب من خلالها ثقة المجتمع، وتعطيه الصلاحية بأن يرتاح ضميره على بناته أو أبنائه عندما يلتحقون بها؛ فليس الفضل والمنة على الوزارة بأن قدمت للأفراد، بقدر ما يكون الفضل لأفراد المجتمع عندما يلتمسون فيها بيئة صالحة لهم ولأبنائهم حتى يلتحقوا بها سنوات، ويثقوا تماماً بما قدمت وتقدم؛ لأن الجيل الآن - بلا شك - قد تغير، وأصبح جيلاً ذا ذائقة وعقل مفكر وناقد، وليس مثلما كنا نمارس قديماً السلبية حيال بعض الأمور، ونفكر بشكل فقط ينقذنا مما نحن فيه، ولكن تحولنا بفضل الكثير من العوامل - بعد الله - إلى جيل يفكر بشكل ناقد؛ ليقبل ما يريد، ويرفض ما لا يريد أيضاً!
كلمة أخيرة أذكرها بكل صراحة لوزير التعليم العالي: إن الأم من السهل أن تحمل وتلد، ولكن من الصعب أن تربي وتربي وتربي، وتنجح بهذه التربية؛ لذلك على وزارتك ثقل كبير، وهي المتابعة الشديدة لكل ما يحدث من الجامعات، وأن تقف موقفاً جاداً منها بحيث نستمع من جهاتك الإعلامية ما نريد أن نسمعه فعلاً دون تلميع أو تطلية.
http://sabq.org/zd1aCd